بعض الأماكن كالخناجر ..
المرور عليها والوقوف بها يمزقك ويدميك
أماكن تمر بها فتشم بها رائحة ماضيك
فكأنها تعيد الزمن إليك بطقوسه
بسويعاته
بذكرياته
بأناس قاسموك يوماً كل شئ
حتى أنفاسك ..
وأماكن تمر بها فتفتح لك دفاترك المغلقة
تستعرض أمامك صفحاتك القديمة
تعيد إليك ما ألقيت به في خزانة الذاكرة متعمداً
وتمنيت مع زحمة الأيام أن تنساه
وتعلقت بطوق النسيان في بحر الحياة كالغريق
ولم تنسه ..
وأماكن تمر بها فتطفىء نور صفحاتك البيضاء
التي تفننت في زخرفتها وتنقيتها
وتستعرض أمامك صفحات سوداء تفننت في الهروب منها
وحاولت جاهداً مسحها من ذاكرة تاريخك
متناسياً أن ذاكرة الأماكن لا تنسى أبداً ..
وأماكن تمر بها فتناديك طرقاتها
فيخيل إليك أنك تسمع أصوات أصحابها الذين كانوا
وتلتفت حولك وخلفك مرتعباً
فلا تلمح سوى بقايا تنبض بروح الأمس
وكأنهم ما كانوا ..
وأماكن تمر بها فتتمنى أن يعود الزمان عليها دقائق
لتعود كل تفاصيلها لتقتنص منها لحظة الفرح
فمنذ أن غادرتها غادرك الفرح وغادرتك معها
أشياء أخرى كثيرة ..
وأماكن تمر بها فتغمض عينيك أمامها ألماً
فهذه الأماكن كانت يوماً تعني لك الكثير
احتوت أحلامك في مهدها كالأم
وربتت على حزن أيامك كالوطن وسترت مشاعرك
ومنحتك الفرح والأمان بلا حدود ..
وأماكن تمر بها فتشعر بالغصة تتسلل إلى أعماقك
وتشعر بالمرارة تستقر في فمك فهنا صادقت يوماً
وهنا كان لقاؤك الأول يوماً
وهنا كان وداعك الأول يوماً
وهنا كان انكسارك الأول يوماً ..
وأماكن تمر بها فينحرك المرور بها نحراً
فهنا كنت أجمل, هنا كنت أصغر
هنا كنت أنقى, هنا كنت أصدق
هنا كنت أطهر
فتعود منها محملاً بكل الأشياء إلا نفسك ..
وأماكن تمر بها فترى بها ملامح طفولتك
تلمح بها رفاقك الذين كبروا
تنقب عن آثار براءتك عليها
تتتبع خطوات شقاوتك على أرضها وتبتسم بمرارة
وتردد
ليتنا لم نكبر ..
منقووووول